الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

الواقع لو تمرد؟!

الواقع لو تمرد؟!

لا ريب أن كاتب القصة القصيرة مغرما بالقنص , فهو يقنص كلمة, حدثا , فكرة ما من هامش المعنى ليدخلها بجلبة للمتن , ويكاد يعطيها الحق بالقول كلية , ساخرا من المتون العظيمة كمجنون ألف أن يلقي كلمته فيحيّر فيها مئة عاقل؟!.
في " السماء ليست عالية" المجموعة القصصية ل مالك صقور ُيدخل الواقعية وتجلياتها في معترك التهكم عليها والوقف معها أيضا؟! وخاصة بعدما آلت سياقاتها الناقدة إلى خادمة لمَا تنقده ؛ ففي قصة "الوحام" وبعد أن تصل المعركة بين البيك و أحد عماله إلى المواجهة المأمولة بثورة العامل؛ فيصبح المتلقي وهو هنا يمثل سؤال المجتمع إلى ما سيؤل إليه تململه من واقعه العفن , منتظرا النهاية التي ترضي عواطفه , يثور القص على سياقه وبصدمة غير متوقعة يتجلى السؤال المهم: وماذا بعد؟ , على لسان العامل الراعي حسيون" اجمعي حطبا, يا سعدى, هاتي حطبا كثيرا, كبش , اثنان, ثلاثة, القطيع جاهز.. وليكن الطوفان.. لعينيك يا سعدى. ولكن قولي لي ! أنت واحدة تتوحمين, وماذا إذا توحمت كل النساء, وماذا إذا ضيعتنا توحمت؟ وماذا.... وماذا إذا توحم كل الناس؟!!" هكذا تأتي نهاية القصة ليتفعل سؤال المتلقي : أنفني كل القطيع؟!.
بتلك الطريقة يقص القص حبل طمأنينة المتلقي وينقله لقلق الفاعل وما فعله بنفسه , فالواقعية كمذهب أدبي وما تبنته من وصف الواقع في طورها الأول والعمل على تغيره في طورها الثاني عن طريق توجيه المتلقي أو حفر مجرى النهر؛ تتحرر هنا لتقول :النهر أحق بحفر مجراه.
على هذا الشكل يتابع القاص رمي الكرة في ملعب المتلقي ومهما احتال ليعيدها لأرض القاص أرضاء لسيرورة طويلة سيكولوجية يُعتمد فيها على الأب ومنظومته في استجلاب راحة ولو كانت سرابية لكنها تظل مفضلة لمتلق اعتاد أحلام اليقظة والغير في تغير واقعه, لكن مكر القاص في المرصاد له, فقصة " درب إلى الجنة" تؤكد ذلك , فالفتاة التي زوجت غصبا لعجوز يأمل من خلالها بأن ُيمنح ولد يرثه بعدما فشلت زوجاته السابقات من الإنجاب منه بسبب عقمه , وتداعت كل الطرق في إقناعها بالبقاء لديه , ولابد أن الطلاق هو الخاتمة لمعاناتها, كما ينص القانون الذي استخدمه ولوى عنقه لمصلحته في الزواج منها ورفضه منحها الطلاق بل أكثر من ذلك , إذ بعثها للحج ليغفر لها, قناعة منه أن في ذلك تطهيرا لها وتهدئة لنفسها الثائرة , وعلى وقع أنه لم يجد محرما يذهب معها , يتفتق ذهنه عن خطة تتم بتطليقها منه وتزويجها دون علم من عامله البسيط على يد من كتب كتابه عليها بداية ,فعامله عبدو الذي لحم أكتافه من عطاء سيده لن يتمرد عليه , فظن لذلك أن خطته محكمة ولكن بعد العودة من الحج تتمسك زوجته السابقة بعقد زواجها الجديد ويصمت عامله الذي اعتاد الخضوع والخضوع لا ينتج غير العبيد ومتى كانوا العبيد يتمردون على أسيادهم الجدد؟!! ؛ هكذا تستخدم الزوجة القانون الذي أخضعها للوصول لحريتها , بعدما كان المتوقع الثورة عليه, فالقانون الصحيح لا يخترق ولكن أية ثورة ترتجى على قانون رغم ثغراته صار من عناصر الأرض الأربعة وعامل صار كالمسنن في ساعة لا يعرف عن وقتها شيئا ؟!.
يُفلج الزوج السابق فيما كانت أسماء الزوجة السابقة له تسحب الحاج عبدو زوجها الجديد إلى بيتها الجديد في حارتها , الطبيب قال: فالج لا تعالج , الشيخ يستعيذ من الشيطان والمحامي يسأل : أين الغلط ؟!.
بسرد شيق يبني مالك صقور بنيته القصصية مستخدما تقاناتها بسلاسة وخبرة تنم عن تجربة متأملة ومنتبهة لخطورة القص وسهولة الانزلاق في العادي منه وضيق مساحة المناورة في القصة القصيرة , فيضغط الحدث عبر جمل سريعة وحوارات قصيرة مبرزا المعنى لكنه يترك له حرية الهروب إلى أن تحين رصاصة السؤال التي يترك بها المتلقي مضرجا بقلقه.
السماء ليست عالية مجموعة قصصية صادرة عن اتحاد الكتاب للقاص مالك صقور
العرب اون لاين
باسم سليمان

ليست هناك تعليقات: