الخميس، 8 يناير 2009

تولا اسم آخر للسلطة


العمة تولا أو السلطة تولا أو الخدعة التي يوقعنا بها الكاتب الأسباني ميغيل دي
أونامونو بسؤال يقض مضجع المطمئن؛ هل الغواية صنيعة الخطيئة أم أنها صنيعة الطهارة؟ .
هذا السؤال هو مفتاح سردي لرواية العمة تولا وكأن الكاتب يعدك بالجواب بعد قراءة الرواية لتعود لطمأنينتك وقبل ولوجك يضع أمامك مقدمة يسمها بجملة غريبة " يمكن لقارئ الرواية أن يتجاوزها" وكأنه يخيرك بين أن تكون قارئ للمعرفة وقارئ للمتعة
فإن كنت من النوع الثاني تفاجئ بأنك أمام رواية من النوع العادي ذات نمط كلاسيكي بالسرد بداية وسط نهاية وتنحل العقدة وستكون ك" راميرو" الذي اختار روسا الرائعة الجمال المطمئنة كالبلاهة ليكابد بعدها حبا غنوصيا يصل لحد العبادة ل"خيرتروديس"
العمة تولا فيما بعد كتجل خطير لسلطة الطهارة أو خبثها لتنتهي الرواية وكأن شيئا لم يحدث أو تأخذ حذرك وتقرأ عن شيء يدعى " الأختية " مصطلح منحوت من تداعيات انتيغونا التي هي أخت أوديب وابنته من زواجه بأمه وإذا رجعت إلي البدايات ألم يكثر نسل قابيل من أخته التوأم كرمل البحر؟!؛ ليقول إن الطهارة والخطيئة منجدلتنان فينا كشريط الدي. أن. أي وما طمأنينة الطهارة إلا كذبة نروج لها؛ إذا لماذا الصلاة لراحة أرواح الموتى؟,إنها دون كيخوتيه هل نستطيع تجاوزها؟.
هذا القلق يتجلى في العمة تولا فيتحول لديها إلى وسواس قهري بالطهارة تداويه عبر الالتزام بواجبات أخلاقية, اجتماعية, دينية لمن حولها – رغم تلك الأسئلة الغريبة التي ترد على لسانها والتي تدعوها بالهرطقة فلو أنها أخذت بها لغيرت مجرى السرد كاملا لكنها كائن محكوم بذاكرته أو كما تقول هي الاستثناءات تؤكد القاعدة- تحولهم دمى لمشيئتها لتخفي ترددها الداخلي أو الشعور المأساوي بالحياة أو أن الحياة ماهي إلا خطيئة نلبسها ثوب الطهارة!, فتقوم بتخديرهم بدءا من راميرو الذي تكن له حبا في دهاليز روحها فتدفعه باتجاه أختها لا لتنتقم منه عبر إشعال حبا لمحته بعينيه والذي سيتحقق فيما بعد بل لتؤكد قدرتها على مقاومة العفونة الأرضية عبر تقمص دور عذراء تمارس نذورها ولكن هذا لا يقودها إلا إلى توجس أكثر فتحكم حياة أختها وزوج أختها وأولادهما ومن ثم تجعل زوج أختها بعد وفاتها يقيم علاقة خاطئة مع الخادمة التي تنجب من راميرو إذ أطالت عليه المدة التي ستقبل به كزوج وخيبته من موافقتها وبعد وفاة الثلاثة تبقى الخالة تولا سيدة البيت تعتني بأطفال راميرو من الأخت والخادمة في محاولة لتعيد الأمور لنصابها
كما اعتقدت عبر وصية أخرى تسمعها للأولاد :لسنا ملائكة , سنكون كذلك في الحياة الأخرى , حيث لا وجود للوحل وللدماء! في المطهر يوجد وحل وحل متأجج ,وحل يحرق ويطهر, أجل قي المطهر يحرق من يرفض الإغتسال في الوحل , يحرق في روث متقد ويغسل بالقذارة , هذا آخر ما أقوله لكم لا تخافوا العفونة , صلوا من أجلي ومن أجل أن تغفر لي العذراء.
هذه النصيحة بداية جديدة للأولاد لكن مانويلا صنيعة الخالة تتقمص دورها وتبدأ حياكة
قصة أخرى أو سلطة ومواجهة جديدة مع الغواية , إذ تقول : لا أدري ما سأصير إليه إذا ما حذوت حذو الخالة.
في اعتراف للخالة تولا تقول : لسنا إلا دمى!!
أنها الذاكرة التي تحكمنا ذاكرة الخطيئة التي يوما عن يوم تجرنا نحو الخطيئة بطهارة مصطنعة ألم يقل ميغيل في كتابه الشعور المأساوي في الحياة :"فالذاكرة أساس الشخصية الفردية, كما هو التراث أساس الشخصية الجمعية لشعب ما, فالمرء يعيش في الذاكرة وبالذاكرة وما حياتنا الروحية في الأساس غير الجهد الذي تبذله ذاكرتنا كيما تستمر في البقاء لتصبح رجاء ما, هي غير جهد ماض كيما يصبح مستقبلاً"
هل ما يريده ميغيل عبر رواية الخالة تولا هو وضعنا على درب الشجاعة وتخليصنا من هذا المورثات التي تقتل فينا إنسانيتا وفي معرضة لنظرية التطور التي تقول "إن الإنسان قرد" فيرد على لسان القردة ورأيها بالإنسان هذا الكائن البائس الذي يخزن موتاه؟! وكأنه يقول إن نظرية التطور ونظرية الخطيئة وجهان لعملة واحدة كل منهما تستبد بالإنسان فهو مع مقولة فاوست ل هلينا: هيلينا الحلوة اجعليني خالداً بقبلة وكل ما ليس هيلينا قمامة .
ميغيل دي أونامونو، صاحب روايات : "الضباب" 1914 و"آبيل سانشيث 1917 و"العمة تولا" 1921 و"القديس مانويل الطيب الشهيد" 1933 وهو من أهم رواد حركة 1889 في أسبانيا .
الخالة تولا صادرة عن دار المدى ترجمة صالح علماني لعام2009 بمساعدة الإدارة العامة للكتاب , والأرشيف والمكتبات في وزارة الثقافة الإسبانية
باسم سليمان
www.bassem.blogspot.com
ملحق الثورة