الخميس، 8 أكتوبر 2009

متدارك , متدارك الفراهيدي

متدارك , متدارك الفراهيدي
عندما فطن تلميذ الفراهيدي الأخفش, أنّ بحور أستاذه التي جمعها من خيام جاهلية العرب ,ليست هي نهاية الخيام ,أضاف بحر المتدارك , ولو تعمق بالبحث لأضاف وأضاف ؛ ولكن عندما يستوطن الإنسان ضفاف النهر لا بد له أن يعاند ضفافه ؛ هكذا فُهم صنيع الفراهيدي ليحد من قدرة الشعر/ النهر على اجتراح منحنياته , وللإنصاف , يجب القول : إن الفراهيدي كان يعلم بما سُمي شذوذات تلك البحور لكنه اختار منها الأعم الأشمل , هنا لن نحكم على الفراهيدي ولا من جاء بعده , فقد اجتهدوا ولهم في ذلك تأسيس وهذا فضل هم أسبق له , فإذا كان هذا حالهم , أليس في ركوننا لإنجازهم نوع من الخيانة؟!.
الباحثون وجدوا العديد من النصوص الشعرية لعباقرة الشعر قد خرجوا بها عن الوزن , مثلا لامية لامرئ القيس وبائية عبيد بت الأبرص التي مطلعها:
أقفر من أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب
ابن رشيق رأى فيها : إنها اقرب للخطبة والقصيدة غير موزونة , ولكن عبيد , هل فاته هذا ؟!, كذلك حال امرئ القيس وغيرهم كميمية المرقش الأكبر وأبيات لأمية بن أبي الصلت , وكل ذلك لم ينل من فحولتهم ؟!, وألا تأتي مقولة أبي العتاهية" أنا أكبر من العروض" ككشف على أن الشاعر أسبق من العروض والوزن وهي تقاد له فلا يقاد لها , ويدورها كما شاء؟! .
أبو تمام حكيم الشعراء وجد له المعري في ديوان الحماسة ثلاثة أوزان جديدة سماهم :المضارع , المقتضب, المجتث, ونضيف أيضا لما نقول عنه شذوذات أشعار المولدين التي سميت عكس البحور, ونزيد على هذه الشذوذات مدام الوزن فيصلها : الرجز والسجع والموشحات وكلها قد سُقيتْ بغيم محيط الوزن الذي هو اللغة ,فاللغة العربية موزونة سواء كانت على السماع أو القياس
والشعر موزون سواء كُتب منظوم أو منثور على أساس وزنية اللغة ؛ لكن يختلف الأول عن الثاني في التكرار , فهل نعتبر قالب التكرار هو ميزان الشعر ونجب صنيع العرب الشعري ونكتفي منه فقط بالمنظوم الذي ثبته الفراهيدي , أليس ذلك عين الظلم للإبداع العربي؟!.
ما قدمناه يثبت وجود الإرهاصات الأولى لقصيدة النثر وإن أنبتت وظهرت في مكان آخر على يد بودلير .
ولنأخذ هنا تجربة النفّري, فماذا لو قدّر للحضارة العربية أن تستمر؟, ألم يكن من طبيعة الصيرورة أن تصل تجربة النفري لما ابتدأه بودلير الذي وجد إرهاصات قصيدة النثر في غاسبار الليل التي متح شاعرها بنيتها من شعراء التربادور المتأثرين جدا بالأوزان التي عمّت في الموشحات, المنطق يقول ذلك , إذاً فما العيب في القول: إن قصيدة النثر لها جذورها في تاريخنا وأن نحمل قول أبي العتاهية كإشراقه لما سيصير عليه الحال؟!.
ولابد من التعريج على القبول النفسي لشيوع نمط ما , الآن سيطرت قصيدة النثر على مجمل التجارب الشعرية ولا يعيبها أنها لم تصل كشيوع لدى المتلقى كما هي قصيدة العامود في ماضيها والتفعيلة عانت ما عانته أيضا, ولا يضيرها أن تقاس على ماضي قصيدة العامود لأن قصيدة العامود الآن, ليس لها شيء من مجدها القديم , فحال القراءة السيئ قد أصاب كل النتاج الإبداعي العربي لكن نستشف من حالة قصيدة العامود ما يفيدنا في فهم وضع القصيدة النثرية فعدم شيوعها والاتهامات التي تكال لها غير صحيحة والدليل أن قصيدة العامود والصحة التي تقلدتها في نظر من يرى في قصيدة النثر هي الضلال بعينه لم تنفعها في عصرنا , في حين قصيدة النثر تجد القبول النفسي لدى الشعراء والمتلقين , والسوء الحالي ليس يعود لقصيدة النثر بقدر ما تستغرقه حال القراءة في الوطن العربي.
نهاية ,أليس من الغريب أن نظل نسأل عن مشروعية قصيدة النثر وأن لا نقبل التأسيس لها,ولو كان ضمنيا لها في تراثنا الشعري؟!,.
باسم سليمان
Bassem-sso@windowslive.com
تشرين

ليست هناك تعليقات: