الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

الشعر يرتدي المريول الأبيض

الشعر يرتدي المريول الأبيض

لا يخرج تعريف الشعر عن سؤال , ما هو الشعر؟, وكأنه يكتفي به دالة ودلالة ويترك الباقي للجواب والممارسة الشعرية التي يقوم بها الشاعر والمتلقي على السواء.
فالشاعر الذي ينبري كمتلقي أول للكون ,يريد أن يفهم صفعة المعرفة الأولى التي ابتدأ بها شهيقه , يغدو طموحه الأقصى في أن يدخل الجملة التشبيهية التالية " الشاعر كالكون" , فيدوّر شعره كالرحى على عصا نفسه صانعا طحين هذه " الكا" التي سيخبز من عجينها خبزا
يطعم به جوع فهمه لتلك الصفعة المعرفية التي ابتدأت بها حياته , وكما الكون يرفض الرتابة والاعتياد اللذين يقودان للموات كذلك الشاعر يرفضهما وهو من أكثر المتألهين الذين يأكلون آلهتهم المصنوعة من تمر الآباء , فالشاعر الحق هو من قتل أباه الشعري ويسلم السكين بكل رضى لابن سيخضب نصلها بدمه.
شاعر اليوم شاعر أثر الفراشة , شاعر لص , يحب أن يتأمل الضجة التي تحدثها سرقته من بعيد أو الصمت الذي يكتنفها عندما يكون إعلان السرقة يكلف أكثر بكثير من قيمة المسروق , لذلك يقف فايز حمدان بمريوله الأبيض لفظا ورسما بالأسود علي ثيمة الغلاف " اضغط على القطنةِ جيدا/ وإذا استطعت / على الزناد".
وفهم صفعة المعرفة لا يكون بأيديولوجيا بل باكتشاف الهوية وبيانها , وهذا لا يكون إلا بالسيرة إن جاز التعبير وهذه الهوية لن تعي ذاتها وكونها مادام هناك حجابا وعمومية تخنق التفصيلي واليومي , فالشاعر ليس نعجة بيضاء في سياق بل هو هذه النعجة التي ترعى لوحدها وتواجه الذئب ببياضها فيصيبه عمى البياض ويفترس بدلا منها عواءه " شوارع دمشق تعرفني/أرصفة ضيقة ودافئة/ وحدي تعرفُني/ معكِ تعرفُني/ ويعرفنا المصعد والمتسكعون."
ونكاد نرى التفصيلي في الحياة يعم المشهد الشعري وهذا يعني : إن الشاعر الذي يكاد ينجرف مع تيار التذويب الذي يمارسه التجمع البشري لا يبقى له إلا أصابعه التي تتمسك بصخرة وجوده , فأنامله العشرة والتي تتفلت واحدة تلو أخرى حتى لا يُترك له سوى إبهام وسبابة ووسطى تمسك بالقلم " أطلّي بعينيكِ/ من نافذة الباص/ وودعي آثارنا/ على طول الرّصيف.", وهذا اليومي التفصيلي هو ما يصنع أنا الشاعر مقابل الأنوات الأخرى التي تغيّب أناها في النحن الذي بدأت تأخذ شكل العولمة لا الكوكبة.
هكذا يُثبت فايز حمدان نفسه بالحاضر من خلال جملة متخففة من جراثيمها البلاغية بكحول يستقطره من مهنة طب الأسنان, البصمة الجديدة في عالم إثبات الهوية ,فدفع بمفردات هذه المهنة التي تثير الفزع في الكثير من النفوس إلى حضن الشعرية , وكأنه بذلك يؤكد قدرة الشعر على إخراج الجمالي من القمم الذي حبسته به الرؤية المسبقة / الأيديولوجيا إلى جمالية التجربة " عصب الرّحى الثالث/ الذي أرهقني/ حتى عثرتُ عليه/ مازالت ذروته حمراء/ والشاب الذي هربتْ حبيبته/ في يوم عادي / هو أيضا / هرب بجسر خزفي/ وثلاثة كاسيتات لفيروز/ / أعطيته الوصفة/ ثم/ أقف بمريول أبيض".
لم تعد ممارسة العادة الشعرية تتم في السر وفي صومعة عالية بل أصبحت التجربة الشعرية الجانب الواقعي من تعريفه متواجدة بقربك كأنها ظل لأنثى تمضي أو رجلا ينتظر معك ركوب السرفيس وهنا يأتي دور التلقي فأما تدير لك الأنثى وجهها وتبتسم أو يدفعك الرجل ليأخذ له مكانا في السرفيس وتبقى تنتظر سرفيسا تأتي به لو.
فايز حمدان لا يجعل ابتسامتك جميلة فقط بل وساخرة لكن بدفء " سينهض الشعراء من قبورهم/ في الجيل القادم/ ويقرأ المتنبي: الجينز والموبايل والسرفيس تذهلني/ والمترو والتلفاز والحاسوب والقمم.
أقف بمريول أبيض ل فايز حمدان صادرة عن دار نينوى2009 دمشق
باسم سليمان
الثورة
Bassem-sso@windowslive.com

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

حد الوطن

حد الوطن

هل الوطن حد حتى ندرؤه بالحدود؟ . هل الوطن خطيئة؛ لنحمل وزرها حيثما حللنا ونورثها كأثمن ما نملك أم أن الوطن مساحة الطمأنينة الموعودة من قلق وجودي ,نعرف كنهه ولا نعرف؟! .
" خاتونِة" هي الذاكرة الناهضة في وعي "هوار" , ابن التاريخ المكتوم الذي باحتْ به " خاتونِة" عندما سقطت شبهة الحدود في عينيها وسقطت هي برصاصة من جندي تركي يحرس حدود وطنه بين سوريا وتركيا ؛ليقيم حد وطنه وتقيم هي حد وطنها في وعي " هوار" الذي تتأكله الوحشة وضياع صرخته في إذن الموت الذي لا يسمع أصوات الأحياء.
"خاتونة" الهاربة من مذبحة تطال عائلتها , عائلة الثوري الذي يطالب بوطن للكورد , فيحتمي بعفو ويجند في الجيش التركي ؛ ليرسل إلى كوريا المنقسمة على نفسها , فيأسر عدة جنود من كوريا الشمالية وينال وسام الشجاعة , ليقضى عليه من قبل عصابة بعد عودته, طمعتْ بما جلبه من مال أم أن الأمر يتعدى هذا؟! , أيعني هذا أن الثورة تقتل أولادها الذين يستفيقون من حلمها المستحيل فيهجرونه إلى أرض الواقع؟!.
تحمل السر وتطبق القلب عليه مع طفلين وعنزة وتجتاز الحدود إلى شمال سوريا حيث مسقط الرأس على بعد نظر إلى الشمال, تصبح لهما أما ويغدو المكان الجديد وطنا بديلا أن جاز التعبير , وطنا يمنحهم مساحة للعيش لا مساحة للحلم, يكبر الطفلان في سوق العمر يبيعان ويشتريان ما يُسمى حق التشبث في وطن الواقع ووطن الحلم إلى أن يضرب القدر ضربته , يفترق الأخوان : "محمد أو حمو" يختار العودة لمسقط الرأس بعد أن يأس من التشبث واتساع المسافة بينه وبين أخوه أمّا " علي أو علو" فلا يمهله الزمن ويموت ويترك "هوار" مع " خاتونة" الجدة , الأصل, الوطن.
تقرر " خاتونة" العودة إلى قريتها التابعة ل "ماردين" وهناك يبدأ " هوار" السعي إلى قدره المخبأ على الحدود السورية التركية , يتعرف على عمه وتاريخ شعبه حيث تظهر ماردين من عامودا كمجرة في الجبل الناهض , ترفض " خاتونة " البقاء وتقرر العودة وعلى الحدود وكمن يسري في ليل وطنه تجتاز الحدود من منطقة مخالفة , فلا لغتها الكردية أسعفتها ولا فهمت اللغة التركية التي ينادي الحارس بها , ولأن الحدود لا تعرف شبهة الوطن في العيون أرداها الحارس لينطلق السر في أذن" هوار" وتكتمل دائرة السرد الذي ابتدأ لحظة انفصام الوحدة بين سوريا ومصر.
هيثم حسين يختار لسرده صوت الراوي , وبهذا يكون طابق سرده وفاة" خاتونة/ الوطن" , فالراوي لا يسرد إلا التاريخ وثيمة التاريخ تؤكد الزوال الفعلي للحدث في المكان والزمان مع بقاء أطلاله التي يعلوها " هوار" الذي يعيد تشكيله في الآن ؛ لكنه منطلقا من الماضي ,فيتوافق مع حركة الزمن إلى الأمام وهكذا يتقمصهم جميعا الأجداد و" خاتونة/ الوطن" والعم و" ماردين" وصرخته المدوية التي أومأت : أيموت الوطن بموت" خاتونة" ؟,هذا ما لم يفصح به الراوي بل نطقته أطلال الذكريات التي اعتلاها "هوار" ,فالوطن لا يعيش في الذاكرة التي تكبلها الحدود ؛كلما تلمستْ موطئ قدم لها في الواقع , محا منها شيئا قد يكون بالهجرة والتشتت والموت والنسيان والاعتياد.
رواية" رهائن الخطيئة" تساؤل عن تلك الأوطان التي أكلتها أوطان أخرى بحق أو بدون ولكنها تركت شعوبا مرتهنة لحلم لا يتحقق ولواقع يصعب التأقلم معه مادامت الذاكرة حية تفيض بالعواطف كلما هطل مطر الانتماء .
الروائي هيثم حسين أمات" خاتونة/ الوطن" في نهاية روايته , أتراه قد مكر ب" هوار" إذ حمله إرث" خاتونة" أم أنه فتح عيني " هوار" على حقيقة مؤلمة نعيشها جميعا؟, أن أوطاننا الواقعية والمحلوم بها قد جعلت الإنسان يدفع الكثير من آلامه أمام نرجسيتها والوطن الوحيد الذي يجب أن يولد على أرض الواقع هو الإنسانية جمعاء وطن يجمعها ولا يقدمها أضاحي كما تفعل تلك الأوطان الكثيرة التي تملأ الكرة الأرضية بالحدود.
رواية " رهائن الخطيئة" ل هيثم حسين صادرة عن دار التكوين دمشق 2009
باسم سليمان
العرب اون لاين
Bassem-sso@windowslive.com

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

مقص " ق ق ج" في شَعر الواقع

مقص " ق ق ج" في شَعر الواقع
" ق ق ج" ,هكذا هي القصة القصيرة جداً مولعة بالاختصار , لقد رأت حتى في الكلمة استطرادا لا ضرورة له , لا يوجد في "ق ق ج" ثيمة" كان يامكان" ,ولا أن تتلمظ الكلمات , فهي ما أن تبدأ حتى تنتهي وتترك القارئ في زمن مكسور ومكان هجرته الجهات , لربما تريد الاختفاء , مجرد عدة نقاط ويكفي ؟!. حضورها شبحي يجيد أن يجعلك تقفز من مكانك , فهي ما وراء, ما بعد, أنها مابعد القراءة من شكوك وظنون , تريد اللايقين وسيلة وغاية؟!.
ليس هذا تعريفا لها بل الدخول الذي يقتضي المواربة لعوالمها ومن ثم لمجموعة عمران عزالدين أحمد القصصية " يموتون وتبقى أصواتهم" وفي دلالة العنوان نستطيع أن نجد حرباء ملامحها , ف" ق ق ج" متمنعة على القراءة لقصرها لكن مفتوحة على التأمل .
سأعرض قصتين في محاولة لاستجلاء بعض خصائص " ق ق ج" :
ففي قصة " مصروف" يقص عمران: "كان والدي يعطي مصروفا لأخي الصغير, ويحرمني منه, فكنت أتحين الفرص كي أسرق مصروفه, وكنا دائما نتعارك, لما تكررت هذه القصة كثيرا , قطع والدي المصروف عن أخي, فاتفقنا على سرقة معطفه"
و قص آخر بعنوان" جدول الضرب" : في حصة الرياضيات سأل التلميذ أستاذه: كيف نحفظ جدول الضرب يا أستاذ...؟ أجابه : ألا تسكت عن حقك يا بني".
لقد أخذت من الحدث ,قفلته الصادمة في القصة القصيرة ومن الشعر التكثيف وعوالم المجازات ومن المسرح الحوار ثم أنكرت وسخرت وأنجبت نفسها كجنس وحشرت نفسها على منصة الأدب.
ف " ق ق ج" لم تسكت عن حقها في استبطان خصائصها وإظهارها في قصها, فهي تقيم الاحتجاجات والمرافعات لتكسب شرعية وجودها كجنس أدبي يستحق التقعيد ليقوم النظري بجانب التطبيقي وتبتعد بذلك عن الكثير من المجانية والتسطيح الذي يعمها.
ولا يضيرها ما يقال عن كفاية القصة القصيرة للقيام بشؤون القص , فمادامت تقدم الكثير عبر أسلوبها وشكلها فهي قد خرجت عن ربّ رمية والاستثناء الذي لا يشكل قاعدة إلى الوجود الحق.
فعمران عمل بتقنية السحب والترك والقص واللصق , يلتقط القصة بعين خبيرة وكلمة تسد مسد الشرح ويد تجيد رمي القصة في قلب القارئ وبهذا يجعل قصصه كأنها دوال ودلالاتها تعيش بينا وهذه الدلالات التي تطال مجمل مستويات حياتنا , كاشفة وفاضحة وساخرة ومتهكمة , تضع العصي في دواليب البلادة والسلب لتقيم محور دولاب الإيجاب , لنعيد حرث أفكارنا وممارساتنا وزرعها بالشجر لتنقية تلوث الأجواء من حولنا.
إن " ق ق ج" تشبه المشي على الحبل , والذي له صفة التأرجح و جوهره التوازن عليه و"لكن" إن أشتد التأرجح سقط الماشي والسقوط هنا يفيد التشابه والمتكرر في نتاج هذا الجنس الأدبي والسبب يعود لأن " ق ق ج" من خصيصتها الجوهرية إصابة الهدف في الصميم وبغير ذلك تعتبر رمياتها غير محسوبة ولو أصابت الدريئة , فهي ليس كالقصة القصيرة التي في جعبتها عدة رميات إن خابت الواحدة قامت مقامها الثانية , فصفتها الرمية الواحدة وميزتها أن لا تثنية لها , وهنا نقول : إن عمران من الرماة في هذا الجنس الأدبي و" اللكن " التي وضعناها بين قوسين لا تنقص قيمة هذه المجموعة أبدا.
يقول عمران في قص " ثورة" : اشتدّ نباح الكلاب , حين شرع اللحام الموجود في الحارة , ببيع العظام, إلى الناس الفقراء.
وازدانت المجموعة بتقديم للقاص والروائي حسن البقال من المغرب والناقد والروائي هيثم حسين من سوريا .
احتوت المجموعة 86 قصة , صادرة عن دار التكوين دمشق لعام 2010 " يموتون وتبقى أصواتهم " مجموعة قصصية ل عمران عز الدين أحمد تستحق القراءة والتوقف عندها .
باسم سليمان
الثورة
Bassem-sso@windowslive.com

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

حمأ الشعر

حمأ الشعر

القصيدة الأولى, براءة لا تفضها تتالي القصائد بل تبقى الدهشة تسكنها بسكينة أحلام الطفولة ,كذلك الديوان الأول عندما تنداح منه رائحة البلوغ فتأتي شهية كحلمة مراهقة تتحسس نهدها بسبابة تشير بها لأنوثتها التي تكتمل كمقمر في اليوم/ السنة الرابع/ة عشر من شوقها سعيدة بهفواتها لتحمر بها وجنتيها كالخفر .
عاطفة التراب أو لنقل الحمأ المسنون أو الصلصال هذه الجذور الجينية التي نبتت منها البشرية جمعاء ألا تكفي لنفهم المثل القائل " لايملئ عين الإنسان سوى التراب" ونخرجه عن ما قرّ عليه لنقول " لايملئ عين الإنسان إلا أنسانا آخر".
" افتح ذراعيك للرحيل وامنح القصيدة/ ذرعا أخرى" يتبدى الشاعر محمد عاطف بريكي
في ديوانه الأول " عاطفة التراب" مرتحلا إلى الآخر/ الأنت؛ ليثبت للأنا وجودها ويتعرف على الكون من خلال عرفات القصيدة " علمّه الحروف حتى استقام/ في وحشة الظل أجلسه/.../ بغتة , تنزل العشق في قلبه/ وفيه عرف مقامه/ واستقام.
وإذا كانت اللغة حجابا من يوم بلبلة الألسن بين الإنسان وأخيه والإنسان الكون , فالشاعر هو من يفك عجمتها وينقط المتشابه من حروفها ويشكّل رؤية ورؤى حرفها في كلمتها, فتنجلي جملتها وينهار حجاب اللغط ,لينفتح على قاب قوسين أو أدنى , فلا يضلّ الآخر في أناه بل يسمع بإذنه, كأن الفم الناطق فمه وهكذا يصبح الشاعر صوت الإنسان المقهور في كل مكان, ففي قصيدته المرفوعة للشاعرة التشيلية سبياستيانا, جزائرية المنفى ,عقب استلام الديكتاتور بينوشي الحكم, يتناص الشاعر مع حال شاعرته " فقط لأني أحبك يا وطني/ يا وطن الخبز والقيثار/ وطني الأحمر الغليظ كجسد رشاش هرم/ من أجل هذا تراني اليوم في صحبتك اليوم / أيها الوطن الصغير" فقد حلّ الشاعر باللغة و سرت في عروقه روحها, فنطق متجاوزا حجاب الشفتين إلى كشف الحنجرة, فأسمع طينه وطينها.
عندما يموت الشاعر يمنح القصيدة ذراعا أخرى, عبدالله بوخالفه ناداه الشوق إلى طينه , فاختار الموت تحت عربات قطار تاركا وصية سرية , مخطوط شعري , لم يعثر عليه أحد وقصيدة على شفاه شاعرنا" اختار ضجيج /المحطات/كي يكتب آخر الشعر /و يزف لكم أول غيمة /ليدفع عن نفسه /جوع الأبدية ..."
يختار محمد عاطف بريكي بلاغة الأرض العارية إلا من انتظار التلقي وكأنه يجد فيه اليد الثانية للقصيدة فيريد من القارئ أن يمد يده ويسوي انحناءة جرّة القصيدة قبل أن توضع في كور القراءة " مرة قالت نملة لسليمان: علّمني سفر التورية /على مضض /سقط الوحي بمائدة /الفلسفة و مفردات الجن /من سماء المعاني /جسد بلا روح ".
وليكتمل الإنسان بالإنسان كانت القصيدة بداية والأنثى نهاية" سيغشاك الحب كوحي/ينزل باللوز و الياسمين/على قلبك المفتون بوردها/يا وجهها / الوجع /أنت من بعثر في مساحة /الكون /طينة الأنبياء/فلا أنت فنيت في اسمها الملكي/ ولا أنت بعثرت مساحات الكلم/ أو محنتك سورة الشعراء".
في رسالته للشاعر سمير قسيمي الذي ابتدأ بها الديوان, يقول محمد عاطف بريكي : "الشعر في أصله صوت مباغت " ولابد منه بهذا الشكل لنباغت الإنسانية التي نسيت طينها وقالت : خلقت من مارج من نار.
"عاطفة التراب" مجموعة شعرية أولى للجزائري محمد عاطف بريكي صادرة عن دار القصبة 2009
الثورة
باسم سليمان
Bassem-sso@windowslive.com


الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

الواقع لو تمرد؟!

الواقع لو تمرد؟!

لا ريب أن كاتب القصة القصيرة مغرما بالقنص , فهو يقنص كلمة, حدثا , فكرة ما من هامش المعنى ليدخلها بجلبة للمتن , ويكاد يعطيها الحق بالقول كلية , ساخرا من المتون العظيمة كمجنون ألف أن يلقي كلمته فيحيّر فيها مئة عاقل؟!.
في " السماء ليست عالية" المجموعة القصصية ل مالك صقور ُيدخل الواقعية وتجلياتها في معترك التهكم عليها والوقف معها أيضا؟! وخاصة بعدما آلت سياقاتها الناقدة إلى خادمة لمَا تنقده ؛ ففي قصة "الوحام" وبعد أن تصل المعركة بين البيك و أحد عماله إلى المواجهة المأمولة بثورة العامل؛ فيصبح المتلقي وهو هنا يمثل سؤال المجتمع إلى ما سيؤل إليه تململه من واقعه العفن , منتظرا النهاية التي ترضي عواطفه , يثور القص على سياقه وبصدمة غير متوقعة يتجلى السؤال المهم: وماذا بعد؟ , على لسان العامل الراعي حسيون" اجمعي حطبا, يا سعدى, هاتي حطبا كثيرا, كبش , اثنان, ثلاثة, القطيع جاهز.. وليكن الطوفان.. لعينيك يا سعدى. ولكن قولي لي ! أنت واحدة تتوحمين, وماذا إذا توحمت كل النساء, وماذا إذا ضيعتنا توحمت؟ وماذا.... وماذا إذا توحم كل الناس؟!!" هكذا تأتي نهاية القصة ليتفعل سؤال المتلقي : أنفني كل القطيع؟!.
بتلك الطريقة يقص القص حبل طمأنينة المتلقي وينقله لقلق الفاعل وما فعله بنفسه , فالواقعية كمذهب أدبي وما تبنته من وصف الواقع في طورها الأول والعمل على تغيره في طورها الثاني عن طريق توجيه المتلقي أو حفر مجرى النهر؛ تتحرر هنا لتقول :النهر أحق بحفر مجراه.
على هذا الشكل يتابع القاص رمي الكرة في ملعب المتلقي ومهما احتال ليعيدها لأرض القاص أرضاء لسيرورة طويلة سيكولوجية يُعتمد فيها على الأب ومنظومته في استجلاب راحة ولو كانت سرابية لكنها تظل مفضلة لمتلق اعتاد أحلام اليقظة والغير في تغير واقعه, لكن مكر القاص في المرصاد له, فقصة " درب إلى الجنة" تؤكد ذلك , فالفتاة التي زوجت غصبا لعجوز يأمل من خلالها بأن ُيمنح ولد يرثه بعدما فشلت زوجاته السابقات من الإنجاب منه بسبب عقمه , وتداعت كل الطرق في إقناعها بالبقاء لديه , ولابد أن الطلاق هو الخاتمة لمعاناتها, كما ينص القانون الذي استخدمه ولوى عنقه لمصلحته في الزواج منها ورفضه منحها الطلاق بل أكثر من ذلك , إذ بعثها للحج ليغفر لها, قناعة منه أن في ذلك تطهيرا لها وتهدئة لنفسها الثائرة , وعلى وقع أنه لم يجد محرما يذهب معها , يتفتق ذهنه عن خطة تتم بتطليقها منه وتزويجها دون علم من عامله البسيط على يد من كتب كتابه عليها بداية ,فعامله عبدو الذي لحم أكتافه من عطاء سيده لن يتمرد عليه , فظن لذلك أن خطته محكمة ولكن بعد العودة من الحج تتمسك زوجته السابقة بعقد زواجها الجديد ويصمت عامله الذي اعتاد الخضوع والخضوع لا ينتج غير العبيد ومتى كانوا العبيد يتمردون على أسيادهم الجدد؟!! ؛ هكذا تستخدم الزوجة القانون الذي أخضعها للوصول لحريتها , بعدما كان المتوقع الثورة عليه, فالقانون الصحيح لا يخترق ولكن أية ثورة ترتجى على قانون رغم ثغراته صار من عناصر الأرض الأربعة وعامل صار كالمسنن في ساعة لا يعرف عن وقتها شيئا ؟!.
يُفلج الزوج السابق فيما كانت أسماء الزوجة السابقة له تسحب الحاج عبدو زوجها الجديد إلى بيتها الجديد في حارتها , الطبيب قال: فالج لا تعالج , الشيخ يستعيذ من الشيطان والمحامي يسأل : أين الغلط ؟!.
بسرد شيق يبني مالك صقور بنيته القصصية مستخدما تقاناتها بسلاسة وخبرة تنم عن تجربة متأملة ومنتبهة لخطورة القص وسهولة الانزلاق في العادي منه وضيق مساحة المناورة في القصة القصيرة , فيضغط الحدث عبر جمل سريعة وحوارات قصيرة مبرزا المعنى لكنه يترك له حرية الهروب إلى أن تحين رصاصة السؤال التي يترك بها المتلقي مضرجا بقلقه.
السماء ليست عالية مجموعة قصصية صادرة عن اتحاد الكتاب للقاص مالك صقور
العرب اون لاين
باسم سليمان

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

متاهات حسين حبش إلي سليم بركات

متاهات حسين حبش إلي سليم بركات دروب وضلالات..وهوية

ليست بمعارضة شعرية كما اعتاد الشعر عندما يتناطح على قمته فحلا شعر, ولا هي مديح خالص ولا تناص يجدُل روح الشاعر الأب بجسد الشاعر الابن ؛ فاللاءات كثيرة تزيد على ما ذكرناه ؛ لكنّها تتحول" لنعم" خجولة تزيد اللاءات جمالا, عندما نقول :إن نص " ضلالات إلى سليم بركات" للشاعر حسين حبش , ما هو إلا كلمة طويلة رؤيوية طول الأحرف الأبجدية , ليس عن تجربة سليم بركات فقط بل عن كل ما أحاطها والأهم أنها رؤيوية الشاعر القائل عن ذاته.
سليم بركات الخارج عن اللغة العربية والخارج بها من مألوفها, كمن يتلقى الطعنة, فيجعل من الجرح غمدا للنصل , يحميه من صدأ الكلمات المرتهنة لسياقها, مهما يكن , فسليم بركات حرر اللغة من شرطها وشرطتها؛ لتصبح مقادة لمن يجيد قيادتها , هكذا تختار الفرس فارسها.
حسين حبش الذي يحدد اتجاه النص بعتبة لطاغور"أنّى تكن الدروب معبدة, أضل طريقي"
يُخرج سليم بركات من أبوة ما مفترضة, ويحرر نفسه أيضا؛ ليصبح نصه ملكا له وحده يزيد من سعة الأرض كما يقول أدونيس, فما سليم بركات إلاّ" فَارِهُ القلب، لا يمنع أحداً من المرور إلى الضفة الأخرى من الينابيع/ لا يفرض جزية على أرياش العصافير/ولا يطارد أثر الخطوات المختالة في نكرانها /وقرائنها المستبِّدة.".
فالشعر حرية وليس لك إلا تلمس الأثر الخفي لخفقات الأجنحة , فإن قلدتها سقط الشعر وتوقف المريد عند الباب فلا الباب فتح له ولا هو استطاع اجتيازه فله النظم وظاهر القول ومحال عليه الكشف, فيقول الشاعر حسين حبش على لسان الذوق وينسبه تقية إن جاز القول لسليم بركات:" أي باب يخاف من الريح ليس ببابي/أي بيت يتنكَّر للشِّعر ليس ببيتي/ أي كتاب يحجب الحبَّ ليس بكتابي/ أي أب "يتأبب" ليس بأبي/أي إلهٍ يوصي دائماً ليس بإلهي.".
أمّا العتبة الثانية فتجلت بمفردتي " نص طويل" وهذه تقودنا إلى المتلقي الذي يتجاذب مع الشاعر النص والشاعر هنا يلعب الدورين معا فتارة هو صاحب النص الطويل " ضلالات إلى سليم بركات" وتارة أخرى هو هذا المتلقي لشعر سليم بركات, وكأن الشاعر يستظهر مقولة أبي تمام " أنْ أحفظ ألف بيتا ثم انسهم" , فنص الشاعر حسين حبش هو نفي لنص سليم بركات وبنفس اللحظة التي يتم في النفي يكتمل الإثبات لنص سليم بركات فينوجد نص الشاعر الخاص به وحده كالهوية التي لا يتشاركها اثنان, هكذا يكون النص ليس مجموع تجربة سليم بركات التي كتبها فقراءها الشاعر القارئ " ينقل مدَّخرات التلقين في أحوال العبور /إلى الطرف الأغرِّ من الحكاية." بل النص الخاص به, خلق آخر, القائم على النفي والإثبات " انهضْ أيها الماجن من نومك /وجرِّب هطولك فوق رئات الأرض، /ثم خذ بتلابيب العطش إلى مهب الأنقاض/بعثره فتاتاً، فتاتاً وألحقه إلى العماء/لعلَّ البراعم تنتهك بشهوتها سيادة الزرقة /وتحيل بتلاتها إلى ربيع الغبطة وعذوبتها /في رفاهٍ سماويٍّ يشعشع بالألوان.".
وهنا نأتي إلى العتبة الرئيس" ضلالات إلى سليم بركات" شمس النص , لتقول لك : اتبع ظلالك أو ضلالاتك وكن حريتك.
النص بمجمله يبتدئ بفعل المضارع الذي يخاطب الشاعر به عبر ضلالاته سليم بركات ,ففي بداية كل صفحة يتجدد الخطاب بالآن وهذا يدل على مدى قدرة سليم بركات على التواجد في الحاضر ردا على الماضي/ الذكرى والمستقبل المستبد به الأمل وبمعنى آخر هو خطاب الذات لذاتها التي وعت هويتها ووجودها لذلك كان خطابها هو خطاب اللحظة وتملكها ,أليس هذا أقصى درجات الحرية والعلو فوق ثنائيات الواقع في وحدة الهوية التي حازها الشاعر حسين حبش " يقترب من السموات،/وينادي الله: إلهي لا تبذِّر حنانك على الطغاة /لا تكن رؤوفاً معهم ولا تجعلهم يعيثون في الأرض ذباباً./إلهي لا تجعلهم يستبدون ويتسعون كالجريمة./إلهي ألجمهم،/ألجم طغيانهم./إلهي، إلهي، /إلهي/ي/ي/ي.../لا تدع دعاءنا يذهب أدراج الريح."
"ضلالات إلي سليم بركات" للشاعر حسين حبش صادر عن دار أزمنة 2009
باسم سليمان
الزمان
Bassem-sso@windowslive.com



الأحد، 11 أكتوبر 2009

تماما .....
تماما هذا ما فكرتْ به المطبعة: هذه عادتك أيها الإنسان تتنكر دوما لطرقاتك السابقة وتحتفي كعاشق بدروبك الجديدة , أراه على مدى النسيان ,المخزن, لربما المتحف الذي ستلقيني به وسوف يأتي أطفال مع مدرِّسة تتكلم من ميكرفون صغير مثبت لياقتها فيستمعون لها عبر سماعات صغيرة كحبة العدس ملتصقة داخل آذانهم وإذا أرادوا شيئا همسوا في ميكرفوناتهم أيضا , كل هذا لكي لا يتصدع الصمت الباذخ في متحفك أيها الإنسان , آه ما أجمل ذلك الضجيج الذي كانت تخرج من خلاله الأوراق البيضاء بقبلٍ من الحبر.
تماما هذا ما فكر به القلم الملقى على الطاولة: أنا الشاهد على جحودك , كم من الوقت مضى عليّ وأنا أتشهى صفحة بيضاء كاملة يسيل عليها دمي وينقش تلك الحروف التي أعشق رسمها ؟!, أتذكر أجدادي بعمرهم القصير , حيث كان كل واحدا منهم يملأ الكثير من تلك الصفحات بعصارة الفكر ونار العواطف , أما الآن فكثيرا ما تتركني على هذه الطاولة أو إن خطر على بالك أن تفعل بي شيئا تحك رأسك اليابس بجسدي الذي كاد حبره يتجمد ويفسد وتنساني في جيبة قميصك كنوع من الزينة ,آه, لكم أرغب بأن أقطع عروقي وأترك حبري ينساب بهدوء روح تغادر جسدها وأنزع لك هذا القميص الأبيض الذي ليس فيه من الطهر شيء, ببقعة زرقاء تشهد على رفضي هذا المصير الذي رتبته لي , بعدما جلبت هذا التابوت الذي تتأبطه كحانوتي حيثما ذهبت.
تماما هذا ما فكرت به الورقة: لمن كل هذا البياض , لمن أدخره , للغبار , لبراز ذبابة حمقاء ,للصفرة , حيث الزمن يكتب عليّ مروره والرطوبة تشدّني من أطرافي إلى الداخل , فأنكمش كورقة خريف مرعوبة من الريح , وهل سلة المهملات مصيري؟, دون قطرة حبر أتكفن بها ,أنا هنا ؟!, يا من تهجرني , فلولاي , كيف كان لك أن ترسم تلك الحروف بالقبضة الصغيرة , أما الآن وبعد أن كبرت يدك تصافح غيري بأناملك وتتفنن باستخدامك الأصابع العشرة ,فيما كنت اكتفي بثلاثة منها , لو كان لي دم كما القلم لأرقته ولطخت لك هذه الطاولة البائسة مثل نفسيتك يا من تدعي الحضارة.
تماما هذا ما أفكر فيه : غريب أمركم!, فهذه الصخور التي نقشنا عليها حروفنا الأولى تربض بفخر خلف الزجاج المقسى كذلك الألواح الطينية سعيدة بما نقلت لنا من أساطيرنا , أنظري لتلك الجلود فهي لا تحن لتلك المراعي التي اصطدناها منها بل تتباهى بتلك الخطوط كأنها كحل على عين حوراء, وورق البردي صار لوحات تتزين بها مجالسنا , فلا أحد منهم يشكو شكواكم ويتهمنا بأننا قساة ولا نحفظ للزمن الذي بيننا مودة, بل الكل يشكرون لنا, لحفظهم من التلف والدخول في مكنة التراب التي لا ترحم حتى ديدانها, فما بلكم ...؟!.
ابتسم " اللاب توب" في شاشته, بينما أنا أقوم بحفظ الملف واستعد لخيار إغلاق من قائمة "أبدأ" ومن ثم خرجت معلقا على كتفي حقيبة سوداء تحتوي : مطبعة وقلما وورقة .
لا أعرف ما دار في ذهنهم لكني قد أخمن , وقفت قليلا أمام واجهة زجاجية لأجيب على جوالي الذي يرن بنغمة " وحدن بيبقو متل زهر البيلسان" وعين تتشهى تلك المانيكان ذات الفستان الذي ينحسر عن معظم ساقيها البلاستيكيات.
اشتريت الجريدة وعلى صفحتها الأولى المعنونة بِ – قرأت- : الصحافة الورقية إلى أين؟, أضحكني السؤال الاستنكاري , فوضعت الجريدة في حقيبة " اللاب توب " السوداء, مرت بجانبي صبية تلبس الجينز , حدقت بها , فأشاحت بنظرها جانبا , فقلت في سري : لماذا التكبر هذه المانيكان أجملك منك!.
باسم سليمان
تشرين