الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

طفولة مستعادة في وقت الشعر

طفولة مستعادة في وقت الشعر
" لا الشاعر مات ولا القصيدة اكتملت" ؛ إذاً متى يُتخم هذا الزمان/ المكان؟! , فيخلي سبيل نَفَس الشاعر الأخير في فضاء من طمأنينة وتتدثر القصيدة بدفتي كتاب وينفرط عقد قبيلة الجان في وادي عبقر ليتبخرن في ألسنة النار؟!.
يأتي الجواب " الخير والشر, شريعتان من أجل الرغيف/ واحدة كتبتها أنا/ والثانية أخي" وبسبب هذه الثنائية , لا تتم القصيدة ؛ليبقى السؤال إلى أين؟ .
"الطفولة خرافة عابرة/ ستأتيك يوما" أنها الطفولة التي يحاول الشاعر استعادتها ليس من التاريخ - فالطفولة دوما كانت خارج رحاه التي يطحن بها البشر في ثنائيات , بقدر ما عملوا على تجاوزها , أكدوها؟!!- بل من الشعر.
والشاعر في تلمسه تلك البراءة المتجاوزة للشرائع يكتشف حقيقة الحياة/ المأساة " رأيتهنّ وقد عبرنَ نحو الضفة الأخرى/ فغدوت كأرجوحة طفل/ لا هنا استقر/ ولا هناك استمر/ وبقي عزائي/ قصائد شعر , وغفوة مطر".
أمام هذه الهنا والهناك أصل القلق ومنشأه الذي يعصف بالشاعر فلا يبقي له صوتا يستعين به مادامت جميع الأصوات تتمرغ بهذه الثنائية وهو الذي طعن بشرعيتها , فانعدامها لا يكون إلا بمد يده لقتل آخاه , أيعيد تكرار التاريخ وهو الهارب منه ؟!! , لا , كان جوابه لأنه يكون كمن يطفئ النار بالنار , إذاً كيف يجعل نار القلق التي تتأكله, بردا وسلام ؟.
وكان الشعر/ الخطاب الذي يعلو على الترويض,ماء الحقيقة, فراح يكشف به نفسه وطريقه ومجتمعه , فاضحا وهادما أبنية المجتمع المتهافتة ؛ لكنه يبذر حروف الحقيقة في الركام , لأنه لابد من ....." كنْ الأقصى من هنا/ أو الأقصى من هناك/ لأن ما بينهما مستنقعات آسنة تعفّنت فيها/ قامات الاعتدال".
والطفولة مؤنث يعود له الشاعر, وهي ليست الطرف الثاني لثنائية مذكر ومؤنث بل هو منها وهي منه, وحدة كاملة , فيقف بها وبه ,يستنطق شفة الحياة " أنا الحياة: سأبقى لغزا لكما/ متخم بلا شبع – يفتش عن شبع/ كي يقفل الدائرة وينام/ وموجوع بل وجع – يفتش عن صمت – يصرخ فيه ضجيج أبطاله المحرومين/ كي يقول للضوء: أنا العفة/ وللسر: أنا ضدّه/ ولتبقى أيديكما أبدا / تطرقان باب عدالتي / تنشدان الميزان", فيمسك الشاعر الميزان - الشاعر كائن لا هو ذكر , ولا هو أنثى , أنه إنسان وكفى - يرفعه فلا يزن به أخطاء وصواب الإنسان بل كلمته؛ لأن الكلمة مبتداه ومنتاه ,ومنه منبت حريته وثبات آثار أقدامه , فأكبر صروح البشرية لفّها التاريخ بعباءته ولفظها بالأطلال إلا الكلمة عندما ضاق عليها المتن اعتلت إلى الهامش , فحملته روحا وجسدا وكانت له الصليب والمعراج , فقالها وأسلمها للريح تسمع من يصيخ السمع, فالكلمة وحدته المشتهاة.
هكذا يحفل الديوان بخواتم أشبه بالهايكو, تدّعي الانفصال عن القصيدة أو محيطها لتعطيك فرصة التأمل الحرّة , كأنها أقصى حركة الأرجوحة بين ضفة وضفة " إذا أردت أن تكتب الشعر: تعرّ" " ما قيمة الحرية/ عندما يُكسر للطائر جناح" , ومن خلال الشعر يحاول الشاعر جَسر الضفتين لتصبحان ضفة واحدة أي لا ثنائيات تحطم وحدتنا , وفقط بالشعر يقدر الإنسان والشاعر على تثبيت آثاره.
" لماذا محوتم آثار أقدامي" مجموعة شعرية للشاعر أنطون دوشي صادرة عن دار بدايات 2009
باسم سليمان
Bassem-sso@windowslive.com
الثورة

ليست هناك تعليقات: