قالوا....
يقول هيدغر: الكتابة بواسطة الآلة الكاتبة تجعل جميع الناس يتشابهون ,أما دريدا الذي امتنع عن استخدام الأقلام الحديثة أي ذوات الحبر الناشف وأبقى على الريشة والمحبرة وحتى عندما انتصر عليه الكومبيوتر, استعمله للمحاضرات وأشياء من هذا القبيل ولكنه كان يصر على كتابة صفحاته الأولى باليد؟! .
غريب هذا الوقوف على الأطلال من منظري حداثة أوروبا ؟.
هذا التساؤل يجيب عليه دريدا : إن الكاتب عندما تنقر يديه يكوّن جسدا آخرا ليس جسده؟!؛ لان اليد التي تخط بالقلم تترك بصمة تظهر بها الطباع والانفعالات للكاتب ليس كالكتابة على الآلة الكاتبة التي تتحول لأداة تختفي فيها شخصية الكاتب فلا تشف كما في الكتابة بالقلم .
يقول أبو النواس: عاج الشقي على رسم يسائله؟!.
هنا نجد بمقولة أبو النواس إشارة إلى الجاذبية الثانية التي تحكم سكان هذا الكوكب وهو الحنين الذي يتمظهر بأكثر أشكاله سلبية لدينا, شكل حنين مرضي إلى الدروب العتيقة التي حفظت عن ظهر قلب وليس عقل, فلا تروقنا مقولة المتنبي : على قلق كأن الريح تحتي؟!.
وعليه لا بد أن هيدغر كان بقوله هذا ينذر من تشيؤ إنسان العصر الحديث وتحوله إلى مسنن في هذه الآلة الجهنمية الاستهلاكية وأيضا دريدا كان يعرف أن المطبعة هي حد فاصل أنهى القروسطية في أوروبا ولكن من نتائجها هذه الآلية التي دخلت في جينات الإنسان الحديث التي أفقدته ذاته, فلابد إذاً, من مقولة لا إفراط ولاتفريط والأهم تطبيقها من قبل الفرد ذاته على ذاته لكي يبقى سيد نفسه ولا يتم استهلاكه وإعادة تدويره لذلك كان يقول هيدغر:إن اليد تفكر فالحيوان ليس له يد بل قوائم .
نعود لأبي النواس ووعيه الحدي بواقعه فلا بد من إقامة الحد لأنه آخر الدواء أي الكي ليخرج هذا التاريخ العربي من قبائله ومن أصنامه وإلا النتيجة الحتمية التي أنهى بها أبياته :ليس الأعاريب عند الله من أحد؛ وكأنه قد أسر له جان عبقر بالانحدار الكارثي الذي سوف يصيب غيمة الرشيد.
وفيما بعد في زمن ركن لتفتت والتناحر والسكون إلا من واحات خضراء كواحة سيف الدولة ,بتشابه غريب مع الصحراء التي تتخللها بعض الواحات تأتي مقولة شاغل الناس فلا تشغلهم .
يقول علم النفس إن الإلحاح بطلب الذكريات يؤدي إلى حجبها هنا نستطيع أن نقول من حق دريدا وهيدغر من إعادة ربط الإنسان بماضيه بعدما أنجزوا عملية قطع الحبل السري مع القروسطية لتنشأ علاقة سوية بين الأم الماضي والحاضر الابن
علاقة تقوم على العاطفة والاحترام لا تقوم على التقديس والاعتماد الكامل على الأم كما الجنين في بطن الأم وبالأحرى كما نحن الآن!!
فهذا التقديس للماضي والإلحاح بطلبه أدى لحجبه عنا ومن ثم دخول الحاضر بعلاقة أودبية مع الماضي لتتم اللعنة التي صبها علينا أبو النواس .
لقد قالوا ومازلنا نسمع, متى نقول؟!.
باسم سليمان
www.bassem555.blogspot.com
نشرت في تشرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق