حمأ الشعر
القصيدة الأولى, براءة لا تفضها تتالي القصائد بل تبقى الدهشة تسكنها بسكينة أحلام الطفولة ,كذلك الديوان الأول عندما تنداح منه رائحة البلوغ فتأتي شهية كحلمة مراهقة تتحسس نهدها بسبابة تشير بها لأنوثتها التي تكتمل كمقمر في اليوم/ السنة الرابع/ة عشر من شوقها سعيدة بهفواتها لتحمر بها وجنتيها كالخفر .
عاطفة التراب أو لنقل الحمأ المسنون أو الصلصال هذه الجذور الجينية التي نبتت منها البشرية جمعاء ألا تكفي لنفهم المثل القائل " لايملئ عين الإنسان سوى التراب" ونخرجه عن ما قرّ عليه لنقول " لايملئ عين الإنسان إلا أنسانا آخر".
" افتح ذراعيك للرحيل وامنح القصيدة/ ذرعا أخرى" يتبدى الشاعر محمد عاطف بريكي
في ديوانه الأول " عاطفة التراب" مرتحلا إلى الآخر/ الأنت؛ ليثبت للأنا وجودها ويتعرف على الكون من خلال عرفات القصيدة " علمّه الحروف حتى استقام/ في وحشة الظل أجلسه/.../ بغتة , تنزل العشق في قلبه/ وفيه عرف مقامه/ واستقام.
وإذا كانت اللغة حجابا من يوم بلبلة الألسن بين الإنسان وأخيه والإنسان الكون , فالشاعر هو من يفك عجمتها وينقط المتشابه من حروفها ويشكّل رؤية ورؤى حرفها في كلمتها, فتنجلي جملتها وينهار حجاب اللغط ,لينفتح على قاب قوسين أو أدنى , فلا يضلّ الآخر في أناه بل يسمع بإذنه, كأن الفم الناطق فمه وهكذا يصبح الشاعر صوت الإنسان المقهور في كل مكان, ففي قصيدته المرفوعة للشاعرة التشيلية سبياستيانا, جزائرية المنفى ,عقب استلام الديكتاتور بينوشي الحكم, يتناص الشاعر مع حال شاعرته " فقط لأني أحبك يا وطني/ يا وطن الخبز والقيثار/ وطني الأحمر الغليظ كجسد رشاش هرم/ من أجل هذا تراني اليوم في صحبتك اليوم / أيها الوطن الصغير" فقد حلّ الشاعر باللغة و سرت في عروقه روحها, فنطق متجاوزا حجاب الشفتين إلى كشف الحنجرة, فأسمع طينه وطينها.
عندما يموت الشاعر يمنح القصيدة ذراعا أخرى, عبدالله بوخالفه ناداه الشوق إلى طينه , فاختار الموت تحت عربات قطار تاركا وصية سرية , مخطوط شعري , لم يعثر عليه أحد وقصيدة على شفاه شاعرنا" اختار ضجيج /المحطات/كي يكتب آخر الشعر /و يزف لكم أول غيمة /ليدفع عن نفسه /جوع الأبدية ..."
يختار محمد عاطف بريكي بلاغة الأرض العارية إلا من انتظار التلقي وكأنه يجد فيه اليد الثانية للقصيدة فيريد من القارئ أن يمد يده ويسوي انحناءة جرّة القصيدة قبل أن توضع في كور القراءة " مرة قالت نملة لسليمان: علّمني سفر التورية /على مضض /سقط الوحي بمائدة /الفلسفة و مفردات الجن /من سماء المعاني /جسد بلا روح ".
وليكتمل الإنسان بالإنسان كانت القصيدة بداية والأنثى نهاية" سيغشاك الحب كوحي/ينزل باللوز و الياسمين/على قلبك المفتون بوردها/يا وجهها / الوجع /أنت من بعثر في مساحة /الكون /طينة الأنبياء/فلا أنت فنيت في اسمها الملكي/ ولا أنت بعثرت مساحات الكلم/ أو محنتك سورة الشعراء".
في رسالته للشاعر سمير قسيمي الذي ابتدأ بها الديوان, يقول محمد عاطف بريكي : "الشعر في أصله صوت مباغت " ولابد منه بهذا الشكل لنباغت الإنسانية التي نسيت طينها وقالت : خلقت من مارج من نار.
"عاطفة التراب" مجموعة شعرية أولى للجزائري محمد عاطف بريكي صادرة عن دار القصبة 2009
الثورة
باسم سليمان
Bassem-sso@windowslive.com
القصيدة الأولى, براءة لا تفضها تتالي القصائد بل تبقى الدهشة تسكنها بسكينة أحلام الطفولة ,كذلك الديوان الأول عندما تنداح منه رائحة البلوغ فتأتي شهية كحلمة مراهقة تتحسس نهدها بسبابة تشير بها لأنوثتها التي تكتمل كمقمر في اليوم/ السنة الرابع/ة عشر من شوقها سعيدة بهفواتها لتحمر بها وجنتيها كالخفر .
عاطفة التراب أو لنقل الحمأ المسنون أو الصلصال هذه الجذور الجينية التي نبتت منها البشرية جمعاء ألا تكفي لنفهم المثل القائل " لايملئ عين الإنسان سوى التراب" ونخرجه عن ما قرّ عليه لنقول " لايملئ عين الإنسان إلا أنسانا آخر".
" افتح ذراعيك للرحيل وامنح القصيدة/ ذرعا أخرى" يتبدى الشاعر محمد عاطف بريكي
في ديوانه الأول " عاطفة التراب" مرتحلا إلى الآخر/ الأنت؛ ليثبت للأنا وجودها ويتعرف على الكون من خلال عرفات القصيدة " علمّه الحروف حتى استقام/ في وحشة الظل أجلسه/.../ بغتة , تنزل العشق في قلبه/ وفيه عرف مقامه/ واستقام.
وإذا كانت اللغة حجابا من يوم بلبلة الألسن بين الإنسان وأخيه والإنسان الكون , فالشاعر هو من يفك عجمتها وينقط المتشابه من حروفها ويشكّل رؤية ورؤى حرفها في كلمتها, فتنجلي جملتها وينهار حجاب اللغط ,لينفتح على قاب قوسين أو أدنى , فلا يضلّ الآخر في أناه بل يسمع بإذنه, كأن الفم الناطق فمه وهكذا يصبح الشاعر صوت الإنسان المقهور في كل مكان, ففي قصيدته المرفوعة للشاعرة التشيلية سبياستيانا, جزائرية المنفى ,عقب استلام الديكتاتور بينوشي الحكم, يتناص الشاعر مع حال شاعرته " فقط لأني أحبك يا وطني/ يا وطن الخبز والقيثار/ وطني الأحمر الغليظ كجسد رشاش هرم/ من أجل هذا تراني اليوم في صحبتك اليوم / أيها الوطن الصغير" فقد حلّ الشاعر باللغة و سرت في عروقه روحها, فنطق متجاوزا حجاب الشفتين إلى كشف الحنجرة, فأسمع طينه وطينها.
عندما يموت الشاعر يمنح القصيدة ذراعا أخرى, عبدالله بوخالفه ناداه الشوق إلى طينه , فاختار الموت تحت عربات قطار تاركا وصية سرية , مخطوط شعري , لم يعثر عليه أحد وقصيدة على شفاه شاعرنا" اختار ضجيج /المحطات/كي يكتب آخر الشعر /و يزف لكم أول غيمة /ليدفع عن نفسه /جوع الأبدية ..."
يختار محمد عاطف بريكي بلاغة الأرض العارية إلا من انتظار التلقي وكأنه يجد فيه اليد الثانية للقصيدة فيريد من القارئ أن يمد يده ويسوي انحناءة جرّة القصيدة قبل أن توضع في كور القراءة " مرة قالت نملة لسليمان: علّمني سفر التورية /على مضض /سقط الوحي بمائدة /الفلسفة و مفردات الجن /من سماء المعاني /جسد بلا روح ".
وليكتمل الإنسان بالإنسان كانت القصيدة بداية والأنثى نهاية" سيغشاك الحب كوحي/ينزل باللوز و الياسمين/على قلبك المفتون بوردها/يا وجهها / الوجع /أنت من بعثر في مساحة /الكون /طينة الأنبياء/فلا أنت فنيت في اسمها الملكي/ ولا أنت بعثرت مساحات الكلم/ أو محنتك سورة الشعراء".
في رسالته للشاعر سمير قسيمي الذي ابتدأ بها الديوان, يقول محمد عاطف بريكي : "الشعر في أصله صوت مباغت " ولابد منه بهذا الشكل لنباغت الإنسانية التي نسيت طينها وقالت : خلقت من مارج من نار.
"عاطفة التراب" مجموعة شعرية أولى للجزائري محمد عاطف بريكي صادرة عن دار القصبة 2009
الثورة
باسم سليمان
Bassem-sso@windowslive.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق